تصدير الغاز لإسرائيل قبل وبعد الثورة المصرية

نجحت مصر في السنوات الأخيرة في زيادة إحتياطياتها المؤكدة من الغازات الطبيعية لتصل الي حوالي 78 تريليون قدم مكعب في الوقت الذي بقيت فيه إحتياطيات الزيت الخام والمتكثفات بحدود 4.4 مليار برميل. وظهرت مصر كمنتج واعد للغاز الطبيعي في العقد السابق بعد تطويرها لإحتياطياتها من الغاز ومعظمها من حقول بحرية في البحر المتوسط، وأعقبه تصدير أولى شحناتها من الغاز الطبيعي المسال في أوائل عام 2005، ثم تعزيز مبيعاتها إلى الخارج من خلال خط أنابيب الغاز العربي.

الإستهلاك المحلي والتصدير

في ظل معدل مرتفع للنمو السكاني في مصر بلغ حوالي 1.4 مليون نسمة بالسنوات الأخيرة، مع إستمرار التحول في الإستهلاك من البترول الي الغاز الطبيعي بفعل توصيل الغاز الطبيعي الي المحافظات الرئيسية وعشرات المدن والتوسع في تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، إرتفع الطلب المحلي علي الغاز بصورة كبيرة، ويتوقع له الزيادة بنسبة تصل الى 8% على الأقل سنويا.

والنتيجة أن كميات الإنتاج الإضافية التي كانت ستخصص للتصدير أصبحت مطلوبة للإستخدام في المنازل والمصانع ومحطات الكهرباء في مصر. ولذلك فإنه منذ عامين تم تجميد عقد أى صفقات جديدة لتصدير الغاز حماية لإمدادات الغاز للسوق المحلية. ومن المستبعد أن تتحسن التوقعات المتحفظة لصادرات الغاز خاصة مع إعطاء الأولوية للإحتياجات المحلية وخاصة لقطاع الكهرباء الذي ينمو الطلب فيه بمعدل 11.5% سنويا مع تشغيل محطات جديدة للكهرباء بهدف زيادة طاقة توليد الكهرباء بنحو 3 أمثال بحلول عام  2027.

تصدير الغاز لإسرائيل

تصدر مصر الغاز بالانابيب إلي الأردن وإسرائيل، كما تصدر الغاز المسال لدول أخرى من خلال الشحن البحري. وتصدر مصر الغاز الى إسرائيل من خلال كونسوريتوم غاز شرق المتوسط المملوك لرجل الاعمال المصري حسين سالم والشركة المصرية للغازات الطبيعية وشركات أمريكية وتايلاندية وإسرائيلية. وتتصاعد المطالبات من الشارع المصري ضد الكونسورتيوم الذي يورد 45 بالمئة من حاجات مرفق الكهرباء الإسرائيلي من الغاز الطبيعي لأنه يبيع الغاز الى اسرائيل بأسعار أقل من سعر السوق.

لقد بدأت الحقائق حول تصدير الغاز المصري لإسرائيل تطفو علي السطح ليراها الجميع. وكانت محكمة القضاء الإدارى في وقت سابق قد أصدرت حكماً نافذاً يلزم الحكومة بإعادة النظر فى العقود المبرمة مع الطرف الإسرائيلى.

يقول الخبراء أن الغاز الطبيعي المصري كان يباع لإسرائيل بأسعار تقل كثيراً عن الأسعار العالمية. وبعد تعديل أسعاره إتفق الجانبان علي سعر يتراوح بين 4.0 ــ 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارة بريطانية (BTU)، وهو سعر لا يزال أقل من السعر العالمي للغاز المماثل والذي يتراوح بين 5- 9 دولارات للمليون وحدة. ومعنى ذلك أن فروقات الأسعار بين ما تشترى به إسرائيل وبين الأسعار العالمية مازالت موجودة. وبالطبع لن تكون المفاوضات مع إسرائيل لتعديل الأسعار الحالية يسيرة، خاصة بعد مرور سنوات من البيع لهم بأسعار مخفضة تقل عن دولار ونصف للمليون وحدة دون سبب معقول. كما أن وقف تصدير الغاز لإسرائيل تماماً يحتاج إلى قرار سيادي لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه.

الواقع أن قضية تصدير الغاز لإسرائيل تشهد إنقساماً بين وجهتين للنظر، الأولى تنادي باستئناف تصدير الغاز ولكن بسعر جيد يعود بالفائدة على المصريين، فيما تطالب وجهة النظر الأخرى بوقف تصدير الغاز نهائيا لإسرائيل سواء بسعر منخفض أو حتى بسعر مرتفع خاصة وأن السوق المحلي يعاني من أزمات متكررة بسبب نقص أنابيب البوتاجاز.

وأياً كان الإتجاه الذي ستسير فيه المطالبات الشعبية تجاه تصدير الغاز لإسرائيل سواء بإيقاف التصدير كلية أو بإستمرار التصدير مع تصحيح أسعار الغاز للتماشي مع الأسعار العالمية، ومع أن لكل رأي قناعاته، لكن تحسين أسعار تصدير الغاز لإسرائيل وربط الأسعار بآلية تضمن مراجعة إيجابية للأسعار كل فترة زمنية للتماشي مع الأسعار العالمية يعد أمراً جيداً في الظروف الحالية.

82 مليار جنيه في الميزانية لدعم المنتجات البترولية

وتقدر وزارة البترول إجمالي فاتورة دعم المنتجات البترولية (أنابيب البوتاجاز والبنزين والسولار) بنحو 82 مليار جنيه (13.8 مليار دولار) تنفق على دعم هذه المنتجات خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي في 30 يونيو القادم (الدولار يساوي 5.931 جنيه مصري(، بزيادة قدرها 9 مليار جنيه عن المقرر لها في الموازنة العامة للدولة وهو 73 مليار جنيه فقط. ويشكل الدعم الحكومي الذي يذهب أغلبه لقطاع الطاقة أكثر من ربع الانفاق الاجمالي في ميزانية العام 2010-2011. ويؤكد الوزير الجديد أن الحكومة لا تفكر في المرحلة الحالية في زيادة أسعار المنتجات البترولية، وأنه يلزم  تغيير مسار الدعم بما يضمن وصوله للمواطنين دون أن يتم توجيهه الى الإستخدامات الأخرى والوسطاء”..

وفي الظروف الحالية لم يعد هناك مبرر لمنح إسرائيل مميزات تفضيلية فى أسعار الغاز، خصوصا أن مصر تتكبد دعماً قدره 82 مليار جنيه للمواد البترولية ومنها أنابيب البوتاجاز، وكأن جانباً من هذا الدعم موجه لدعم إسرائيل بالغاز المصري بأسعار مخفضة. وليس من الإنصاف أن يدفع المستهلك المصرى زيادات في أسعار أنبوبة البوتاجاز لتقليص حجم الدعم الذى تتحمله الموازنة بسبب خطأ في قرار سيادي بتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار مخفضة.

توقف خط التصدير لإسرائيل عن العمل

وبالنسبة لخط الغاز الطبيعي المتجه من مصر لإسرائيل والذي تم تفجيره مؤخراً في العريش، يقول الوزير إن الإصلاحلات مازلت مستمرة كي يستأنف الخط نشاطه، خاصة فيما يتعلق بالاصلاحات طويلة المدى.

وكان ضخ الغاز لإسرائيل قبل شهرين قد توقف فى الأنبوب الخاص الذى يمر فى شبه جزيرة سيناء بعد تعرض أنبوب آخر قريب منه لانفجار ألحق أضراراً كبيرة به. وأوقفت السلطات المصرية بعدها ضخ الغاز فى الأنبوبين. وفى ضوء الظروف السياسية التى سادت بعد ثورة 25 يناير امتنعت الحكومة المصرية عن إستئناف ضخ الغاز إلى أن يتضح الموقف. ولأن الغاز المصري يكاد يكون المصدر الوحيد الذى تحصل منه إسرائيل على احتياجاتها من الغاز، فهى تتفاوض حالياً مع  شركات من روسيا وأذربيجان للحصول على كميات منه عبر تركيا.

الجدير بالذكر أن خط العريش ــ عسقلان كان يؤمن لإسرائيل نصف إحتياجاتها من الغاز الطبيعى، وتديره «شركة شرق غاز المتوسط» التى يشارك فيها كل من الهيئة المصرية العامة للبترول، والشركة الإسرائيلية ميرحاف، والشركة الأمريكية الإسرائيلية. وكان الخط قد تم تشغيله عام 2008 لتزويد شركة الكهرباء الإسرائيلية بنحو 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لمدة 20 سنة. وفى أواخر عام 2009 جري توقيع عقد جديد لتزويد شركات كهرباء ومنشآت صناعية إسرائيلية بنحو 2 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 20 عاما.

توجهات وزير البترول المهندس عبدالله غراب

ويصف وزير البترول المصري “المهندس عبد الله غراب” الأسعار التي كانت مصر تصدر بها الغاز لإسرائيل بأنها أسعار مستفزة للشعب وللعاملين في قطاع البترول. وأوضح أن قرار تصدير الغاز لإسرائيل كان قراراً سيادياً وأن دور الوزارة إقتصر علي التنفيذ فقط. وأضاف أن كل إتفاقيات تصدير الغاز بما فيها الإتفاقية الموقعة مع إسرائيل يجري التفاوض حالياً لتعديل أسعارها لتحقيق أفضل عائد لمصر، وأن أسعار التصدير الجديدة سيفصح عنها بعد الإنتهاء من المفاوضات، وأنه لن يتم التصدير فيما بعد إلا بأفضل سعر متاح، خاصة وأن الحملات الإعلامية والرفض الجماهيري لتصدير الغاز قد منحا للمفاوض المصري سنداً قوياً في الحصول على أفضل المزايا.

ويؤكد وزير البترول المهندس عبدالله غراب علي أن غالبية الشعب المصري أصبحت مهتمة الآن ومعنية بالبترول وتصديره وهذا أمر جيد ومقلق في نفس الوقت، ولكنه يوجه بأن على الجماهير إدراك أن المسؤولين بالوزارة يفكرون الآن جيداً فيما يفكر فية جموع الشعب، وأن صناع القرار ليس لديهم الآن ما يتوجب إخفاؤه في هذا الشأن، ولكنهم بحاجة فقط إلي مزيد من الثقة وبحاجة إلي مهلة زمنية لتلبية إحتياجات المواطنين.