إحتياطيات البترول العالمية المفاهيم الأساسية .. والجدل بشأن مدي كفايتها لتحقيق أمن الطاقة العالمي

 يتفق خبراء الصناعة والأوساط البترولية علي مدي صعوبة تقدير إحتياطيات البترول العالمية. ويدرك معظم هؤلاء الخبراء أن أرقام الاحتياطيات التقليدية والتي تنشرها أهم مصادر تقدير حجم الإحتياطيات بدأت تتباطأ في الزيادة عاما بعد عام بشكل يبعث علي القلق ويهدد أمن إمدادات الطاقة العالمي.

 

المفاهيم الخاصة بإحتياطيات البترول العالمية:

يصنف الخبراء المختصين إحتياطيات البترول العالمية بحسب درجة اليقين في إستخراجها من الأرض (Certainty) إلي ثلاثة أقسام وهي: الإحتياطيات المؤكدة (Proven)، والإحتياطيات المحتملة (Probable)، والإحتياطيات الممكنة (Possible).

 

ويستند تقدير الإحتياطيات بجميع أنواعها (المؤكدة والمحتملة والممكنة) إلى البيانات الجيولوجية والهندسية المتاحة، ولكن يميز بينها درجة اليقين، فتحظي الإحتياطيات المؤكدة بأعلي درجات اليقين تليها الإحتياطيات المحتملة ثم الاحتياطيات الممكنة.

 

والإحتياطيات المؤكدة (Proved Reserves) هي الإحتياطيات التي تحظي بدرجة تأكيد عالية لا تقل عن 90% في قابليتها للإستخراج في ظل الظروف الإقتصادية والسياسية القائمة وباستخدام التكنولوجيا السائدة في ذلك الوقت. وبتعبير أبسط فإنها الاحتياطيات التي يمكن إستخلاصها تقنيا بتكلفة مقبولة في ظل السعر الحالي للنفط، ويعني ذلك أن تغيرات الأسعار تؤدي لتغيرات بنفس الإتجاه في أنشطة الحفر والإستكشاف وبالتالي في حجم الإحتياطيات. وعلي سبيل المثال فقد شجعت زيادة أسعار البترول في فترات معينة شركات البترول العالمية علي التوسع في أنشطة الحفر وعمليات الإستكشاف في مناطق مختلفة من العالم مما أسفر في النهاية عن زيادة حجم الإحتياطيات العالمية. وتلزم القوانين في الدول المتقدمة شركات النفط المدرجة في بورصاتها العالمية للأسهم بأن تستخدم أرقام الإحتياطيات (المؤكدة) دون سواها في إبلاغ المستثمرين فيها بموقف عملياتها. ومع ذلك فإن هناك حكومات أخري وشركات نفط وطنية لا تلتزم بإثبات موقف عملياتها أمام المستثمرين فيها بالأرقام المؤكدة للإحتياطي.

 

أما الإحتياطيات المحتملة فهي الإحتياطيات القابلة للإستخراج بدرجة يقين تبلغ 50% ويرمز لها بالرمز (P50). ثم تأتي الإحتياطيات الممكنة وهي الإحتياطيات القابلة للإستخراج بدرجة يقين تبلغ 10% ويرمز لها بالرمز (P10). ويرمز لمجموع الإحتياطيات المؤكدة والمحتملة معاً بالرمز (2P)، كما يرمز لمجموع الإحتياطيات المؤكدة والمحتملة والممكنة والذي يعبر عن جميع موارد النفط القابلة للإستخلاص من الناحية التقنية وبصرف النظر عن السعر بالرمز (3P).

 

العمر الزمني للإحتياطيات:

يعتبر مؤشر العمر الزمني للإحتياطيات وهو نسبة الإحتياطي إلي الإنتاج (R/P Ratio) أكثر المؤشرات شيوعاً لكفاية الإحتياطيات أو لمدي تغطيتها لمعدل الانتاج السنوي، وهو الذي يعطي العمر الزمني لما تبقي من إحتياطيات مؤكدة وفق معدلات الإنتاج الحالية. وبالاستناد إلي معدلات الإنتاج الحالية، يقدر العمر الزمني للإحتياطيات العالمية من النفط الخام حالياً بحوالي 50 عاماً.

 الجدل الدائر حول أرقام الإحتياطيات النفطية:

يري لفيف من خبراء الصناعة أن أيام الإكتشافات لحقول النفط الكبيرة (مثل حقول الغوار في السعودية والرميلة في العراق وبرقان في الكويت) قد إنتهت ولن تعود، وأنه لا يمكن بأي حال تجاهل حقيقة أن البترول مورد ناضب لن يتم التعويض عنه. وإستنتج بعض هؤلاء الخبراء أن العالم يقترب بسرعة من الوقت الذي ستعجز فيه الإكتشافات الجديدة عن تعويض النضوب المستمر، وهي قضية تهدد أمن الطاقة العالمي وتلحق أضراراً بالغة بدول العالم وخاصة الدول المتقدمة.

 

ولكن علي الجانب الآخر، يري فريق من الخبراء أنه ليس من الحكمة الإعتماد كلياً علي ما تقوله أرقام الإحتياطيات المؤكدة وحدها، لانها ليست مؤشراً منفرداً علي إمدادات المستقبل. فمن الخطأ تجاهل حجم الإحتياطيات المحتملة وكذلك الإحتياطيات الممكنة وتوزيعها في مناطق العالم، وهذه الإحتياطيات تفوق أرقامها بكثير حجم الإحتياطيات المؤكدة والتي تتركز في منطقة الشرق الأوسط. كما يرون أنه ليس من الحكمة أيضاً تجاهل الكميات الكبيرة من النفوط غير التقليدية والموجودة في بعض دول العالم. ولذلك فإنه يصعب تجاهل نحو 5 تريليون برميل من الإحتياطيات الكامنة والقابلة للإستخلاص وهي تزيد عن ثلاثة أضعاف الإحتياطيات المؤكدة المتاحة حالياً، كما وانها تكفي لتغطية إحتياجات العالم من النفط لمدة تفوق 150 سنة، وهذا يجعل أزمة نضوب النفط ليست وشيكة بالدرجة التي تستوجب كل هذا القلق بشأن مستقبل الإمدادات العالمية.

 

المبالغة في تقدير حجم الإحتياطيات:

الجدير بالذكر أن أرقام الإحتياطي العالمي من النفط والغاز كانت قد شهدت زيادات ملموسة في بعض السنوات السابقة، بسبب المبالغات في تقدير الإحتياطيات المؤكدة لبعض دول أوبك بهدف التأثير في قرارات المنظمة وسعياً وراء الحصول علي حصص إنتاجية أكبر لهذه الدول من إجمالي إنتاج المنظمة. كما ولجأت فنزويلا وهي دولة عضو بالمنظمة إلي إضافة ما تحويه من النفوط الثقيلة (حوالي 99 مليار برميل) إلي رقم إحتياطياتها المؤكدة من النفوط التقليدية في عام 2008، مما أضاف زيادات كبيرة إلي رقم الإحتياطيات العالمية. وكان أيضاً لإتباع دول أوبك سياسات وتطبيقات مشجعة في قطاعات النفط لديها في تلك السنوات أثره الواضح في نمو حجم الإحتياطيات النفطية العالمية بحيث أصبحت الآن تفوق 1700 مليار برميل منها 1220 مليار برميل في دول اوبك (72%).

 

الدول الأغني في الاحتياطيات البترولية:

قامت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مؤخرا بتنقيح تقديرات احتياطى البترول فى الدول الاعضاء. وأصبحت فنزويلا في طليعة العالم (298 مليار برميل) بدلا من السعودية (267 مليار). ومع ذلك فإن بعض المحللين والخبراء يقللون من أهمية الاحتياطيات التي أضافتها فنزويلا، لأن أغلبية هذه الاحتياطيات من نوعية النفط الثقيل وفي أماكن بعيدة وصعبة ويتطلب استخراجها استثمارات ضخمة. أياً كان الامر فقد تربعت فنزويلا علي قمة الدول ذات الإحتياطي النفطي الأكبر في العالم باحتياطياتها البالغة 298 مليار برميل، تليها المملكة العربية السعودية (267)، ثم كندا (173)، وإيران (158)، والعراق (150)، وروسيا (103)، والكويت (102)، والإمارات (98)، والولايات المتحدة (50).

 الإحتياطيات ومستقبل الإمدادات:

أدي تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة إلي تراجع إستثمارات الحفر والاستكشاف في قطاع النفط التقليدي، مما أدي لزيادة القلق والمخاوف بشان مستقبل ودرجة كفاية الإحتياطيات البترولية لتامين إمدادات الطاقة في العالم.

 

لقد أصبحت صناعة النفط التقليدي بحاجة ماسة لضخ إستثمارات كبيرة وخصوصاً في مجالات الإستكشاف والإنتاج لزيادة حجم الإحتياطيات النفطية ولتلبية الطلب المتزايد علي النفط، وبدونها فسوف يتباطأ نمو الإحتياطيات وتتراجع معدلات الإنتاج. وتقدر الوكالة الدولية للطاقة أنه في حالة عدم ضخ استثمارات جديدة لزيادة انتاج النفط، فمن المقرر أن ينخفض إنتاج النفط بنسبة 9٪ سنوياً. كما وأن زيادة الإحتياطيات النفطية العالمية سيأتي غالباً من عمليات الإستكشاف في المناطق الصعبة والمياه العميقة التي تتطلب استثمارات هائلة.

 

ولكن علي الصعيد الآخر، وبعكس حالة الركود الذي شهدته عمليات الحفر والاستكشاف التقليدية، فإن صناعة الصخر الزيتي (Oil Shale) في الولايات المتحدة تنمو بسرعة، وزادت الاستثمارات فيها بشكل حاد، وارتفع الإنتاج منها بسبب انخفاض تكاليف إنتاج الشيل بنسبة 50٪ منذ عام 2014. وفي هذا الشأن تقول الوكالة الدولية للطاقة إن هذا النمو في إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي أصبح عاملا أساسيا في تعويض النشاط المنخفض في صناعة النفط التقليدية وبالتالي في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمي.